message-block

Please wait....
perlodin
Please wait....
perlodin
Please wait....
perlodin

سوريا - دمشق - الجسر الأبيض - مقابل الركن الفرنسي
هاتف : 0963/11/3315657
موبايل : 0963/933584055

perloader
perloader

البحث عن الجمال

تاريخ المقال : 2014-03-24 09:12:29 - الزيارات : 7094

photo

الجمالُ بمفهومهِ العامِّ أمرٌ فطريّ غريزيّ يطلبهُ الكثيرون... فالله جميلٌ يحبُّ الجمال، و المرءُ يسعدُ برؤيةِ جمالِ الطبيعة ويأنسُ للتأمّلِ في جمالِ مخلوقات الله. أمّا بالنسبةِ للجمال البشريّ فهو بلا شكٍّ أمرٌ يرغبُ به الكثيرون وتطلبهُ شريحةٌ لا يُستهانُ بها من المجتمعِ.

البحثُ عن الجمال

 

برزَ الجمالُ منذُ القدمِ كأحدِ المواضيعِ الهامّة التي تطرّقَ إليها الإنسانُ منذُ أن سُجّلت خواطرُه شعراً أو نثراً، فتقديرُ الجمالِ والبحثُ عن الكمالِ غريزةٌ فُطِر عليها ابنُ آدم منذُ أن خُلِق، ولم يقف هذا التقديرُعندَ التّغني بهِ بل أصبحَ في العصرِ الحديثِ علماً يُعنى بشؤونهِ الباحثون, وطبّاً يمارسهُ أطباءُ الجلدِ و جرّاحو التجميل.

 

والجمالُ بمفهومهِ العامِّ أمرٌ فطريّ غريزيّ يطلبهُ الكثيرون... فالله جميلٌ يحبُّ الجمال، و المرءُ يسعدُ برؤيةِ جمالِ الطبيعة ويأنسُ للتأمّلِ في جمالِ مخلوقات الله. أمّا بالنسبةِ للجمال البشريّ فهو بلا شكٍّ أمرٌ يرغبُ به الكثيرون وتطلبهُ شريحةٌ لا يُستهانُ بها من المجتمعِ.

 

 و لا شكّ أنّ السعيَ وراءَ الجمالِ قديمٌ قدمَ التاريخ, ولعلّهُ خصلةٌ خُلقت مع الإنسانِ و تطوّرت معه, أرسطو مثلاً.... كانَ يرى أنَّ الجمالَ هو الانسجامُ الحاصلُ بين التنوّعِ و الاختلافِ, أمّا أفلاطون أبو الفلاسفة  فكانَ يرى أنَّ الجمالَ هو تلكَ الحياةُ التي وهبَها اللهُ لمخلوقاِته و نفخَ فيها من روحهِ, فلا بدّ للجميلِ أن يكونَ مفعماً بالحياةِ و النضارة, و قد جعلها بعدَ الصحّة و قبلَ الثروةِ. و لعلّ أهمّ مفهومٍ للجمال هو مفهومُ التناسقِ الذي برزَ عند العربِ و المسلمين, وهو التناسقُ بينَ الظاهرِ و الباطن, أي بينَ ما يدركهُ البصرُ و ما تدركهُ البصيرةُ.

وقد تباينت درجةُ الاهتمامِ بالشكلِ عبرَ العصورِ و بينَ المجتمعاتِ, متأثّرةً بالعواملِ الاقتصاديّة والثقافيّة والدينيّة التي تتباينُ من مكانَ لآخرَ ومن بيئةٍ لأخرى, وكانَ الاهتمامُ بالجمالِ بشكلٍ عامّ  منحصراً على فنونِ الماكياج و آخرِ صيحاتِ الأزياءِ.... أمّا عملياتُ التّجميلِ, فقد كانَت حصراً على  المشاهيرِ و نجماتِ السينما. إلا أنّه و في السنواتِ الأخيرةِ الماضيةِ كثُرت عياداتُ ومراكزُ التجميلِ وانتشرت بشكلٍ لافتٍ وتعدّدت حتى أنّها اتخذت أسماءً وأشكالاً اختلطت فيها المفاهيمُ والمقاصدُ التي تدورُ وتحورُ حولَ الجمالِ والتّجميلِ، مستخدمةً أعذبَ العباراتِ وأرشقَ النداءاتِ وأمهرَ وسائلِ الجذبِ والاجتذابِ لجمهورِ الناسِ، ممّن يستهويهم ويهمّهم الظهورُ الجماليُّ لأجسامِهم والرّونقُ الرشيقُ لأبدانهم، والنظرةُ الجميلةُ لوجوهَّهم وبشراتَهم, وباتت عملياتُ التجميلِ مطلباً لشريحةٍ كبيرةٍ من الأشخاص, بغضّ النَّظر عن الجنسِ أو العمرِ أو حتّى عن الشكلِ!

    و لعلّهُ منَ المثيرِ أن أذكرَ أنّ عملياتِ التجميلِ في العالمِ العربيّ قد تجاوزت خلالَ العامِ الماضي فقط 600 ألفَ عمليّة, يُجرى معظمُها في مصرَ و لبنان, أمّا في أمريكا, فقد تجاوزت 7 ملايين عمليّة بتكلفةِ 77 بليار دولار.... ويتوقع ساندر جيلمان الأستاذُ بجامعة شيكاغو الأمريكيّة أن يتغيرَ المناخُ برمّتهِ فيما يتعلقُ بمسألةِ إجراءِ عمليّات التّجميل خلالَ الأعوام المقبلَة، مشيراً إلى أنّه بحلولِ عامِ 2020 سيجدُ المرءُ أنّ السؤالَ المطروح عليه ليس إذا ما كانَ قد قام بإجراءِ عمليّة تجميلٍ أم لا، ولكنّه سيكونُ لماذا لم يقم بها حتى الآن!!!! ومن طرائفِ الأمورأن أذكرَ أنّه قد أُجريت في الصين مؤخّراً مسابقةٌ أطلق عليها "جمالٌ من صنعِ الإنسان" وكانَ شرطُُ المسابقة أن تكون الفتاةُ ممّن خضعن لعمليّاتِ تجميلٍ، وكانَت ملكةُ الجمال الاصطناعيّة قد خضعت لأربعِ عمليّات تجميلٍ وهي شدّ الأجفان وشفطِ الدهون من منطقة البطن، وحقنِ الموادّ المالئة لإعادة تشكيل الوجنتين, وحقنِ مادّة البوتوكس لتجميل عضلاتِ الوجه,  وكانَت المفاجأةُ هنا أنّ عمرَ هذه الفتاة هو 22 عاماً فقط! فماذا ستفعلُ عندما تبلغُ 50 عاماً؟

والسؤالُ الذي يطرحُ نفسَه الآن, لماذا ظهرَ هذا الاهتمامُ المحمومُ المتسارعُ في مجالات التّجميل و العناية بالبشرة وإعادة الشباب؟؟ ولماذا هذا الإقبالُ المرضيّ على عملياتِ التّجميل لتبديلِ الشكل أو لتعديلهِ؟ وهل هناكَ معاييرَ موحّدة و مقاييسَ للجمالِ يجبُ على الجميعِ إتّباعها؟

 

يحرّكُ الإعلامُ المجتمعَ، فعندما تتحدّث جميع وسائل الإعلام عن جمالِ المرأة وتستعرضُه ويصبح همّاً لها، فإنّ المرأةَ في هذا المجتمع سوف تسعى وراءَ هذا الاهتمام. وربّما يكون الحديث حولَ جراحاتِ التّجميل  تحصيلَ حاصلٍ، لما تبثّهُ جميعُ وسائلِ الإعلامِ حاليّاً وتركّزُ عليهِ في هذا الجانبِ, فقد أصبحت الفضائيّاتُ والمطبوعاتُ وغيرُها تُهملُ جميعِ الجوانبِ في المرأةِ سوى الجمال، ممّا جعلَه الغايةَ العليا التي تسعى إليها المرأةُ حاليّاَ, فتهرعُ لعياداتِ التّجميل لتعديلِ شكلها بسببٍ و بدون سببٍ لتنالَ كأسَ الجمال في مسابقةٍ وهميّةٍ لا يعلمُ أحدٌ من يرعاها أو من يحدّدُ الفائزَ فيها.... و رغمَ أنّ الرجلَ أيضاً أصبحَ ينظرُ لهذا الأمرِ بنوعٍ من التشوّقِ لاسيّما فيما يخصّ عملياتِ زرعِ الأشعار, إلا أنّ المرأةَ ما زالت تتفوقَ على الرجلِ في طلبِ عمليّاتِ التّجميل، وما زالتِ المعادلةُ في صالحها.

وفي أحدِ الدراسات التي أُجريت في المملكة العربيّة السعوديّة, تبيّنَ أنّ  9 من كلّ 10 نساءٍ غيرُ سعيداتٍ بمظهرهنّ الخارجيّ أو بشكلِ أجسادهنّ بما في ذلكَ المظهر الخارجيّ ولون البشرة وطبيعة الشعر، وذلكَ بسببِ ضغطِِ المجتمع الذي يفضّلُ الصورةَ التقليديّة للجمال العربيّ الأصيل التي تتمثّل في كونِ الفتاة شابّةٌ، فارعةُ الطول، ينسدلُ شعرُها الأسودُ الكثيفُ والطويلُ على جسدها الرقيق. وأكّدت جميعُ المشاركات في هذا الاستبيانِ بأنّ الأنماطَ التي يعتمدُها الإعلامُ والإعلاناتُ كمثالٍ حصريّ للجمال تهدّد ثقتهنّ بأنفهسنّ و تؤثّر سلباً على تقبلَهنّ لأشكالِ أجسادهنّ ووجوههنّ سواءً من منظورهنّ الشخصيّ أو حتى من منظورِ الجنسِ الآخر الذي باتَ يسعى للارتباط بفتاة الأحلام ذات المقاييس المثاليّة.

صارَ مفهومُ الجمال الآنَ قابلاً للتغيير والتبديل، بل وأصبح قصيرَ الأجل مثلهُ مثل الأجهزة الإلكترونيّة أو السيّارات والأزياء التي تنقضي صلاحيتها بنهايةِ العام ليحلَّ محلِّها نمطٌ آخرٌ و صيحةٌ أخرى من صيحاتِ هذا العصر الجنونيّ.... و السؤالُ هنا, ماذا لو وجدنا أنفسنَا بغتةً وقد صرنا في مجتمعٍ من ملوكِ وملكات الجمال، أو أن يصبحَ الناسُ كلّهم ذوي ملامحَ واحدةً في ظلِّ الانتشار الكبير لعمليات التجميل!!! أنّنا سنجدُ في هذه الحالة طرقاً أخرى متنوعةً لتعريفِ وتميّيز الجمال غير تلك التي اتفق عليها الناس, ولا ضيرَ في أن تكونَ المقاييسُ الجديدةُ للجمالِ هي تلك الصفات الشكليّة التي نهربُ منها الآن!

وهنا لا بدّ من أن نضعَ النقاطَ على الحروف, فالبحثُ عن النّضارة و الشباب ليسَ عاراً ومكافحةُ التّجاعيد ليست منكراً, و لا يمكن لأيِّ إنسانٍ ذكراً كانَ أم أنثى أن ينكر أهميَّة جمالِ الشكلِ الخارجيّ لاسيّما في رسمِ الانطباعِ المبدئيِّ, كما أنَّ رؤيةَ الإنسان لذاته تنبعُ من ثقتهِ بشكلهِ و مظهره, بمعنى أنَّ من يرى نفسَه جميلاً سيكون واثقاً بنفسه ذا رؤية واسعةٍ  وتفكيرٍ واعٍ  وبالتالي يكون عطاؤهُ أكبرَ لمجتمعه و إبداعُه أروعَ و أعظم.  ومن جهةٍ أخرى قد  يكون الاضطرابُ الشكليُّ صغيراً, إلا أنّه يؤثّر بصورةٍ عميقةٍ على نظرةِ الإنسانِ لذاته و احترامه لنفسه و حضوره الاجتماعيّ و حياته الشخصيّة و المهنيّة. كما أنَّ الكثيراتِ من النساء, وحتى المثقّفاتِ منهنَّ,  لا يجدن امتهاناً أن يهتمّمن بجمالهنّ و شبابهنّ, و هذا بالتأكيد محبَّبٌ و مرغوبٌ لاسيّما عندما يكون ضمنَ حدود الاعتدال, إضافةً لعدم تجاهلِ النواحي الإنسانيّة الأخرى  كالعلومِ و الثقافةِ و الأخلاق, و لعلَّ زنوبيا ملكة تدمر خير مثالٍ للمرأة التي جمعت القوةَ و الحكمةَ و الجمالَ الباهر. وطالما كنّا نسعى في حياتنا لتحقيقِ الأفضلِ, فما الذي يمنعُ إذن من أن نكونَ جميلي المظهر و الجوهر معاً!  وقد نجحَ التقدُّم العلميُّ الهائل الذي حملته لنا العقودُ القليلةُ الماضيةُ في إحداثِ ثورةٍ حقيقيّة في طبِّ الجلد و التّجميل لاسيّما في فرعٍ حديثٍ من فروع الطب وهو طبُّ مكافحة الشّيخوخة, فالليزر يُستخدم بأمانٍ لتقشير البشرة و إزالة التّجاعيد و البقع المتصبّغة و توسُّعات الأوعية الدمويّة, وقد أثبتَ حقنُ البوتوكس فعاليتهُ في إزالة تجاعيد البشرة, وصحّح حقنُ الموادّ المالئة الأماكنَ الغائرة والتّجاعيد العميقة, و عالجت الميزوثيرابي ترهُّلات الجلد و السيلوليتَ و تساقطَ الأشعار, هذا عدا عن عمليّاتِ التجميلِ والتي لها كبيرُ الأثرِ في تعديل الشكل كعمليّات تجميل الأنف و إزالة الترهُّلات وشفط الدهون. أمّا دورُنا الأساسيّ نحنُ كأطباء فيشملُ تقيّيمَ المشكلة و حلَّها بالطرقِ الفعّالة و الآمنة بعيداً عن مغريات الإعلانات التجارية التي لا ينقصُها إلا الأمانةُ العلميّة, و أن يكونَ هدفنا تحسينُ الشكلِ و ليس تبديله فالجمالُ لا يقاس بالمسطرة, ولا يوجد شكلٌ مثاليٌّ للشفاه أو للأنف أو الوجنة ينبغي اعتمادُه.... و إنّما هو امتدادٌ لملامحِ الشخصِ الطبيعيّة, وعودةٌ بمؤشّر الزمن بضعَ سنواتٍ للوراء.  

ولا بدّ في نهاية حديثي أن أذكركم أنّ الجمالَ أوسعُ وأعمقُ من مجرّد إنجازٍ جماليّ خارجيّ يجبُ على المرء السعيَ لتحقيقهِ, وقبلَ أن نبحثَ عن أصحابِ الوجوهِ الجميلةِ والبريئة يجبُ أن نبحثَ عن أصحابِ القلوب النقيّة, فالجمالُ أمرٌ نسبيّ والقناعة مفهومٌ شخصيّ وقبلَ جمالِ الوجه والشكل هناكَ جمالُ النفس والروح. ومسكُ الختام قولُ خاتم الأنبياء ومعلَّم الأمّة محمدٌ صلى الله عليه وسلم :

 ( اللّهم حسّن خُلقي كما حسّنت خَلقي(